خطورة تبرير المجازر بمنطق صبيان المدارس
يفيض تاريخ البشرية بحالات التطهير العرقي، ومن المؤكد أن الحكم "الأخلاقي" الأولي لهذه الممارسات أنها (جريمة ضد الإنسانية !) ولكن المثير في الأمر أن من يرتكب هذه "الجرائم" لا يعدم الحجة التي يبرر بها "جريمته"، والحجة دائماً (أنا كنت الضحية ! أما الذي أقتله اليوم فهو الجاني الذي بدأ العدوان ! ولذلك فقتله وتعذيبه هو عقاب مشروع !!) ..
شهدت رواندا أبشع حملة في تاريخ البشرية للتطهير العرقي ضد التوتسي، ولكن قادة الهوتو (الجناة) برروا جرائهم بمنطق (نحن ضحايا الإرهاب التاريخي الذي مارسه ضدنا التوتسي ! فما نقوم به هو رد فعل ! ومن الحماقة أن تقارن الضحية بالجلاد !) ..
شهدت البوسنة حملة تطهير عرقي ضد المسلمين أدانها العالم بأسره .. ومجدداً استخدم الجناة (الصرب) ذات الحجة إياها ! (نحن الصرب كنا ضحية الإرهاب الذي مارسه البوسنيون ضدنا في حرب البلقان الأولى والثانية ! ولم ننس ما ارتكبوه ضدنا في السابق !) ..
وذات المنطق استخدمه البوذيون في بورما ضد المسلمين، والهندوس ضد المسلمين في الهند .. بل استخدمه هتل.ر في تبرير حملىة التطهير العرقي ضد اليهود ! ..
واستخدمتها إسرائيل في تبرير جرائمها الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني بحجة أن اليهود كانوا مظلومين ومضطهدين
باختصار: تاريخ البشرية عبارة عن تبادل أدوار بين الضحية والجلاد، ومن العبث تبرير الجرائم بمنطق صبيان المدارس (هو الذي بدأ !) .. فمجرد أن ندخل في دوامة العنف والعنف المضاد تزول الفوارق بين الطرفين ! ويصبح من غير المجدي التفكير بمنطق (أنا كنت الضحية واليوم جاء دور الحساب !) ..
لغوستاف لوبون كتاب شديد الأهمية في تفسير علم نفس الجماهير (وما يتضمنه ذلك من تفسير الجرائم البشرية ضد الشعوب)، وهو كتاب (سيكولوجية الجماهير)، إذ يرى لوبون أن "الجماهير" هو كائن جماعي منظَّم مستقل عن الأفراد، فبمجرد أن يتجمع مجموعة من الأفراد فستذوب شخصياتهم المتباينة (ثقافياً واجتماعياً وأخلاقياً) ليُخلق شخص جديد اسمه: "الجماهير" ! يمتلك صفات وخصائص أخلاقية ونفسية محددة، يفكر بطريقة تختلف تماماً عن طريقة تفكير الأفراد المكونين له، ويتصرف بطريقة قد لا يمارسها أفراده بشكل فردي ! .. ومن أهم خصائص هذا الكيان الجديد (أي الجماهير) التركيز على النزعات الغريزية البدائية وضعف القدرة على التفكير المنطقي العقلاني ! فهو كائن هائج تحركه غرائزه البدائية .. وأهم وأخطر الغرائز: غريزة الانتقام ! ..